نستذكر في المنبر الديمقراطي الكويتي الذكرى الثامنة لرحيل أحد رموز المنبر الديمقراطي ومن أعمدة العمل الوطني المرحوم جاسم عبدالعزيز القطامي، وعزاؤنا هو استذكار مواقفه المشرفة على الساحتين السياسيتين المحلية والعربية، فهو الذي لم يرضى بديلاً عن الحريات الكاملة وأن يكون للشعب الكلمة الأولى والأخيرة لأن الأمة هي مصدر السلطات جميعاً.
فلا أحد ينسى موقف الفقيد عام 1956 عندما كان مديراً للشرطة، وكان درسه الهام لأفراد الشرطة (أن الشرطة في خدمة الشعب)، وترجم هذا الشعار على أرض الواقع بعملٍ وطني عندما خرج أبناء الكويت الأوفياء منددين ومتظاهرين ضد العدوان الثلاثي على مصر وجاءت الأوامر العسكرية له بصفته مديراً للشرطة بضرورة تفريق المظاهرات والتصدي لها، إلا أن القطامي انتصر لمبادئه وضحى بوظيفته وقدم استقالته الشهيرة، صانعاً التاريخ بعقلية الرجل المنحاز للشعب عندما انضم لصفوف الجماهير، التي يؤمن بضرورة الدفاع عن حريتها وكرامتها، قائلاً في كتاب استقالته أنه “مستعد للتضحية بالنفس والمال في سبيل استمرارها”.
وفي فبراير من العام 1959 في مؤتمر القوى الوطنية في ثانوية الشويخ ألقى الراحل خطابه التاريخي الشهير، متحدثاً بعباراتٍ سياسيةٍ غير مسبوقة في تاريخ الكويت السياسي عندما قال: “إن رضي الكويتيون أن يحكموا حكماً عشائرياً فقد آن الأوان لحكم شعبي ديمقراطي يكون للشعب فيه دستوره ونوابه”، وجاء رد فعل السلطة عنيفاً فتم إغلاق الأندية وتعطيل الصحف، واقتياد المرحوم وآخرين للمثول أمام السلطات، كما تم سحب جوازه وفصله من عمله وفرض الإقامة الجبرية عليه.
وكانت هذه الأحداث وغيرها فاتحة لما سيتبعها من بوادر التحضير للاستقلال وكتابة الدستور والتي كان جاسم القطامي مع رفاقه يمثلون الخط الأمامي فيها.
وكان المرحوم جاسم القطامي طوال مسيرته البرلمانية (63 – 75 – 85) منتصراً لمبادئه ومساهماً في الحفاظ على مصالح الشعب، لا يهدف منها إلا الالتزام والتمسك بالدستور، وكان ذلك جلياً في تصديه لاتفاقية تنفيق عوائد النفط ومحاولة رفضها حفاظاً على مصالح الكويت حيث استطاع المرحوم وآخرين من أعضاء مجلس الأمة تأجيل إقرار الاتفاقية صوناً لحقوق الشعب.
وفي العام 1975 كان القطامي أول من طالب بإعطاء المرأة الكويتية حقوقها السياسية، عندما تقدم مع النائب راشد الفرحان بمشروع قانون لنيل المرأة حقوقها السياسية كاملة.
وكانت له العديد من المساهمات فعلى سبيل المثال مشاركته في اللجان التي استهدفت إيجاد حلول مناسبة لأزمة سوق المناخ، كما شارك مع أعضاء آخرين في تقديم مشروع للتحقيق في أعمال البنك المركزي خلال فترة انهيار سوق المناخ والذي اعتمد في مجلس 1986 وبعدها جاء حل المجلس وفرض الرقابة على الصحف، فأصبح القطامي عضواً فاعلاً مع مجموعة من النواب الآخرين في تحركات دواوين الاثنين الداعية لعودة الحياة السياسية والالتزام بالدستور.
وكان القطامي من المطالبين بإشهار الأحزاب السياسية وأن تتقدم للانتخابات البرلمانية بقوائم، وأن تشكل الأغلبية البرلمانية الحكومة وبالتالي يكون رئيس الوزراء مستنداً عليها، كما طالب بإلغاء احتكار وزارات السيادة، وأن يكون هناك فصل حقيقي بين السلطات، وبروح المسؤولية كان يدعو لتعزيز روح المواطنة وتدعيم الانتماء للكويت كوطن وليس للمذهب أو الطائفة أو القبيلة.
وفي القضية الفلسطينية، التي كان يعتبرها قضية العرب والمسلمين الأولى، لم يقبل بأي حال أن نصادر حقوق الأجيال المقبلة في أرضها المحتلة عن طريق شعارات السلام الزائفة، وأنه علينا ألا نفرط بحقوق الشعب الفلسطيني وحقوق اللاجئين وأنه لا بديل عن القدس عاصمة لدولة فلسطين، وكان يدعو الفلسطينيين للوحدة الوطنية وأن يكون حق العودة وإقامة الدولة هو الهدف الأسمى.
كما للفقيد بجانب دوره السياسي مساهماته في تأسيس الحركة الرياضية الكويتية حيث كان أول رئيس للاتحاد الكويتي واللجنة الأولمبية.
واليوم أحوج ما نكون له هو الالتزام بمسيرته النضالية في سبيل حرية وكرامة الشعب، واستلهام الدروس والعبر من مواقفه وكفاحه، فالراحل مدرسة في العطاء والتضحية وما قدمه نبراسٌ للأجيال.
رحم الله جاسم القطامي… المدافع عن الشعب.
بقلم: محمد الهاشمي
أمين سر المنبر الديمقراطي الكويتي
29 يونيو 2020





- الصور من كتاب (جاسم القطامي – العروبة والديمقراطية وحقوق الانسان)