إعلان المبادئ

صادر عن المؤتمر التأسيسي للمنبر الديمقراطي الكويتي

المنعقد في الخامس من ديسمبر 1991م .

بسم الله الرحمن الرحيم

    تمثلاً لروح الدستور وما جاء في مذكرته التفسيرية من إقرار بحق المواطنين في إقامة تنظيماتهم وتجمعاتهم السياسية فقد تأسس المنبر الديمقراطي الكويتي كضرورة إستلزمها تطور الحركة الوطنية والديمقراطية الكويتية ، كخطوة لابد منها لتجميع صفوفها وتنظيم جهودها لتساهم بصورة ايجابية وفعالة في إعادة البناء الوطني لبلادنا ، إن المنبر الديمقراطي الكويتي ينطلق من المصالح الوطنية العميقة التي تتمثل في توطيد الاستقلال الوطني للكويت وحماية أراضيها وسيادتها الوطنية وسير بلادنا في طريق التطور الوطني والديمقراطية والتقدم .

    وقد كان لكارثة الاحتلال التي أخافت بشعبنا الأثر الكبير في التعجيل في ولادة المنبر من حيث أنها طرحت مهاما جديدة وتبنت ضرورة انتقال العمل السياسي الشعبي إلي اطر مؤسسية وأصبح ذلك مطلباً شعبياً انبثق من معاناة الشعب أبان الأزمة وكدرس من دروسها .

    لئن كشفت تجربة الاحتلال عن شيء ، فإنما بينت مقدار تعلقنا ككويتيين بحريتنا وسيادتنا الوطنية واستعداد شعبنا للتضحية والعطاء في سبيل كرامته وحرية وطنه .

    وهنا نستذكر بكل الإجلال تضحيات شهدائنا الميامين الذين يستحقون التكريم والتقدير ، كما نتطلع إلى ذلك اليوم الذي يتحرر فيه أسرانا ويعرف فيه مصير مفقودينا ويلتم بهم شملنا ، والأن وقد استعاد الوطني الكويتي حريته فإن بناءه على أسس جديدة هو الواجب الأول الذي يفترض أن نوجه جهودنا نحوه ، لقد تطلعنا كمواطنين قبل ثلاثة عقود ، عندما نالت بلادنا استقلالها ، إلى أن تكون الكويت دولة عصرية يحكمها القانون وتسودها العدالة ويعمها الرفاه وتتحقق فيها تنمية متوازنة كبديل عن الاعتماد على مصدر وحيد للدخل ، إلا وهو النهج الذي سار عليه الحكم ، وعارض المصالح الضيقة لأصحاب النفوذ مع المصالح والمطامح العامة لأغلبية المواطنين ، حال دون تحقيق هذه الطموحات والتطلعات المشروعة التي ما نزال متعلقين بها ناشدين تحقيقها ، كما أدي إلى إحداث تطور مشوه في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي تتجلي ابرز مظاهرة في التركيبة السكانية المختلفة واشتداد النزعة الاستهلاكية والموقف السلبي من العمل المنتج .

    وهذا ما يجعلنا نؤكد على أن إعادة بناء الكويت الجديدة على أسس جديدة في كافة المجالات وعلى جميع المستويات يتطلب ثلاثة شروط لا غني عنها :-

أولها :-

    تطبيق مبدأ المساءلة السياسية وفقاً لنصوص الدستور في محاسبة كبار المسئولين السياسيين والعسكريين على أدائهم في مواجهة ما تعرضت له البلاد من تهديد وغزو واحتلال من قبل العراق .

وثانيها :

    تجاوز السياسات التي ثبت عجزها وفشلها وانتهاج سياسات بديلة تصون الاستقلال وتضمن السيادة وتحقق التنمية وترسخ الديمقراطية وتسرع التحديث .

وثالثها :-

    إنهاء حالة الانفراد بالسلطة والتفرد واحتكار صنع القرار، وإعادة العمل بالدستور وتطبيقه تطبيقاً كاملاً غير منقوص، بتمكين الأمة من ممارسة سيادتها وفق ما رسمه الدستور بأن تكون “الإمارة للصباح والحكم للأمة” .

    إننا نتطلع إلى نهج بديل تتبناه حكومة وطنية قوية ، تسعي لتحقيقه في إطار تداول ديمقراطي للسلطة يحقق حكومة الأغلبية البرلمانية ويقوم على قاعدة دستورية وإرادة شرعية ، مستلهمين بذلك مبادئ الإسلام الحنيف متمسكين بما أسسه من قيم العدل والمساواة ، ومسترشدين بميثاق حقوق الإنسان بالالتزام بمساواة المواطنين في كافة الحقوق دون تمييز بينهم بما في ذلك حقهم في المشاركة في إدارة شئون بلدهم .

    إننا ننادي بالديمقراطية نظاماً للحكم وأسلوبا للحياة وقيمة إنسانية ومطلباً حيوياً ونراها البديل الوحيد للاستبداد والحكم المطلق ، والأساس لبناء دولة ا لقانون التي تضمن فيها حقوق المواطنين ومشاركتهم في تسيير أمور بلادهم وشئون مجتمعهم .

    ونؤكد على أن عملية التطور الديمقراطي للكويت تتطلب احترام دستور 1962 ووضعه موضع التطبيق نصاً وروحاً وعدم المساس بالضمانات الأساسية فيه وتوسيعها وإطلاق الحريات الديمقراطية الأساسية : حرية المعتقد والرأي والاجتماع والنشاط النقابي والسياسي، وممارسة الشعب سيادته بواسطة مجلس الأمة كمؤسسة دستورية نيابية منتخبة تتولى مهمتي التشريع والرقابة ، وكذلك تأكيد مبادئ الشرعية الدستورية والفصل بين السلطات والتعددية السياسية وسيادة القانون والمساواة أمامه واستقلال القضاء وضمان حقوق الإنسان .

    وهذا ما يستدعي أيضا إلغاء القوانين والإجراءات المقيدة للحريات ، وتوسيع قاعدة المشاركة بالعملية الانتخابية بتخفيض سن الناخبين وتمكين المرأة والكويتيين بالتجنس من ممارسة حقوقهم السياسية ويتطلب فصل رئاسة الوزارة عن ولاية العهد وتعين رئيس الوزراء من أبناء الشعب وإلغاء احتكار وزارات السيادة ، وان تكون أغلبية الوزراء من بين أعضاء مجلس الأمة المنتخبين ، ونقل مجلس القرار إلى مجلس الوزراء ذاته وفقا لما نص عليه الدستور ، والمبادرة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني تتصدي لمهام تحقيق الأمن الداخلي والخارجي وإيقاف هدر المال العام وإعادة بناء ما خربه الاحتلال وإصلاح الأوضاع الاقتصادية على أسس موضوعية سليمة.

  • إن الدفاع عن الوطن ضد أي اعتداء خارجي وضمان أمنه الداخلي واجب وطني لا يمكن أن يتحقق بدون إشاعة المساواة والعدل وتحقيق الوحدة الوطنية وتعزيز الممارسة الديمقراطية درع الأمن الوطني كما يجب بناء وتأهيل قوات أمننا الداخلي وقواتنا المسلحة على أسس وطنية وعلمية وتجهيزها بكافة الاحتياجات بحيث تكون قادرة على الدفاع عن الوطن والذود وعن سيادته واستقلاله .
  • وعلى الصعيد الاقتصادي فإن هناك حاجة ملحة لوضع حلول قادرة على إحداث إصلاحات حقيقية تسهم في إحداث نقلة نوعية في الأداء الاقتصادي ، من خلال الاعتماد على المعلومات والبيانات الواضحة ، وتطوير مفاهيم عقلية وواقعية بشأن استخدام المال العام وعدم استغلاله في غير المنفعة العامة وإخضاع ذلك للرقابة البرلمانية ، ووضع سياسة وطنية لإنتاج وتصنيع النفط وضمان مستوى أسعار بيعه وتشجيع قيام صناعات تحويلية تتلاءم مع إمكانات اقتصادنا وتتوفر لها الميزة النسبية ، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص للعب دور أساسي في تنويع مصادر الدخل على أن يتحمل مسئولياته عن خياراته الاقتصادية وتوفير التمويل اللازم لانجاز مشاريعه مع إلزامه بتوسيع استخدامه للعمالة الوطنية وإحلالها محل العمالة الوافدة ، هذا إلى جانب الاهتمام بالقطاع المشترك وتطوير القطاع التعاوني ، ورفع كفاءة الإدارة الحكومية التي يفترض أن تعتمد على الكفاءة والأساليب الحديثة لتحقيق أهداف التنمية ، ووضع خطة للتنمية الاقتصادية تأخذ بالاعتبار إمكانات تنفيذها وجدواها ، هذا إلى جانب الاهتمام بتنمية العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج العربي الأخرى في إطار تكاملي وربط المصالح الاقتصادية بينها بشكل أكثر واقعية ، مع بحث إمكانية الاستفادة من العمق العربي لتنمية اقتصاديات دول الخليج العربي وتوظيف الأموال في المشاريع العربية التي تخدم أهداف التنمية العربية وتحقق مردوداً مناسباً على رأس المال .
  • وعلى صعيد المطالب المعيشية للفئات الشعبية فإن هناك حاجة ماسة لتعديل الرواتب والأجور بما يتناسب وارتفاع تكاليف المعيشة ، وإيجاد بدائل للمشاريع الإسكانية الحالية بما يتلاءم مع توفير الخدمة الإسكانية في وقت زمني مناسب وتلبية احتياجات المواطنين ، ورفع كفاءة الخدمات في مختلف المناطق وتعديل قوانين العمل بما يضمن حقوق العاملين .
  • أما بالنسبة للتعليم ، فإننا نرى انه يمثل حقاً من حقوق المواطنة وعنصراً فعالاً في التنمية وأداة لبناء الإنسان ، إلا أن ابرز ما يعانيه التعليم العام والفني والجامعي هو عدم وجود توجه واضح يربطه باحتياجات التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلاد ، وتخلف المناهج وضعف ارتباطها بمتطلبات المجتمع واحتياجاته .

وهذا ما يتطلب : ربط سياسة التعليم باحتياجات التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، وتطوير مناهج التعليم لتعالج متطلبات الحياة المعاصرة ولتعود النشء على التفكير العلمي والإبداعي وتعدهم لحياة المستقبل وتوجيههم نحو التخصصات التي تحتاجها البلاد مع زيادة عدد معاهد التدريب المهني والتعليم التطبيقي وتطويرها ورفع مستوى التعليم الإلزامي ، وضمان استقلالية الجامعة وحرية البحث العلمي فيها .

    هذا إلى جانب الاهتمام بتنمية الثقافة وضمان حرية الفكر والإبداع ورعاية الأدب والفن والاهتمام بمضمون ما تعرضه وسائل الإعلام ، والانفتاح على الثقافة الإنسانية ، وترسيخ القيم الإسلامية الأصيلة .

  • إن محنة الاحتلال قد أثبتت مدى عمق الروح الوطنية للشعب الكويتي ، إلا أن هناك من لا يزال يحاول أن يثير النعرات الطائفية والقبلية ويؤججها ، كما تعاني بعض الفئات من المواطنين من تخلف قانون الجنسية ؟

ونحن نرى أن تنمية العلاقات المجتمعية على أسس وطنية تتطلب إلغاء أي تمييز بسبب الأصل أو الطائفة والتصدي لمحاولات تأجيج النعرات الطائفية والقبلية وتأكيد حقيقة أن “الوطن للجميع” وإدخال تعديلات مناسبة على قانون الجنسية بما يقضي على التمييز بين المواطنين واعتماد الكفاءة والخبرة أساسا للتعيينات والترقيات وتسلم المسئوليات .

  • إن ما تعانيه التركيبة السكانية من اختلالات هيكلية أساسية تتمثل في انخفاض نسبة المواطنين إلى إجمالي السكان وكذلك نسبتهم إلى إجمالي قوة العمل إنما يعود بالأساس إلى طبيعة النشاط الاقتصادي وتزايد الاعتماد على العمالة الوافدة وعدم الاهتمام بتنمية العمالة الوطنية .

    وهذا يتطلب : الاستفادة من العمالة الوطنية في كافة القطاعات وتوفير برامج تدريب وتأهيل مناسبة لها ، وخفض احتياجات المؤسسات الاقتصادية من العمالة عن طريق اعتماد أسلوب الكثافة الرأسمالية والاعتماد على وسائل التكنولوجيا الحديثة وزيادة تكلفة تشغيل العمالة الوافدة وتأمين استقرار الكفاءات ، وقبل هذا الاتفاق على حجم سكاني أمثل يتناسب مع الاحتياجات الاقتصادية للبلاد والقضاء على تجارة الإقامات ، والبحث عن حلول مناسبة لمشكلة “البدون” على أسس قانونية ووفق متطلبات تنموية مع مراعاة الاعتبارات الإنسانية .

  • إن ما تواجهه المرأة الكويتية من ضغوط وما يلحق بها من تمييز اجتماعي وسياسي ، وما تتعرض له من انتقاص لدورها ، يدفعنا للتأكيد على ما نراه من أن تطوير مجتمعنا وتقدمه لا يمكن أن يتحقق ما لم يضمن للمرأة حقها المساوي للرجل في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وضمان مشاركتها الكاملة في الحياة العامة .

    كما أننا نقف مع حق المرأة في الحصول على الأجر المتساوي ، وحقها في تولي الوظائف والمناصب أسوة بالرجل ومساعدتها على الجمع بين مهامها العائلية وعملها في المجتمع ، مما يصون للمرأة كرامتها ويحفظ للأسرة كيانها .

  • إن شباب الكويت الذي اجترح أبسل البطولات خلال الاحتلال يعاني اليوم من مشاكل الضياع والتأثيرات السلبية لقيم المجتمع الاستهلاكي وتعاطي المخدرات وانحراف الأحداث ، في ظل غياب التوجيه المناسب والمجالات النافعة والمتنوعة لاستيعاب طاقاته الكامنة .

    وهذا يتطلب ايلاء اهتمام بقضايا النشء وتهيئة الأجواء المناسبة لإطلاق إمكانياتهم وتوفير أماكن الترفيه والحياة الاجتماعية لهم وإفساح المجال أمام مشاركتهم في الحياة العامة ..

    واتخاذ تدابير حازمة ضد انتشار ظاهرة المخدرات ومعالجة مشكلة انحراف الإحداث .

  • بعدما تعرضت الكويت إلى اخطر جرائم التلوث البيئي في عصرنا ، لم يعد ممكنا النظر إلى قضية البيئة كترف زائد ، بل لابد من الاهتمام بقضية حماية البيئة وتأكيد حيويتها وضرورتها ، بنشر الوعي البيئي وتنشيط الهيئات وتطبيق القوانين واللوائح المتصلة بها .
  • وفيما يتصل بالسياسة الخارجية لبلادنا ، فإننا نرى أنها يجب أن تمثل إحدى ضمانات الاستقلال والحفاظ على السيادة ، وهذا ما يتطلب تقييم الاتفاقيات المعقودة مع الأطراف الأخرى بمراعاة هذه الجوانب ، ورفض إبرام أية اتفاقيات أو معاهدات سرية أو متعارضة مع أحكام الدستور ..

    وان نتخذ السياسة الخارجية للكويت وجهة من شأنها توثيق علاقات الصداقة والتعاون مع جميع الدول الصديقة ، وتعزيز دور الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع الدولي في تحقيق وضمان الأمن والسلم في العالم .

    وعلى الصعيد العربي، فإننا نرى أن الركيزتين الأساسيتين للسياسة الخارجية التي يجب انتهاجها هما :

  • السعي لتحقيق وحدة دول الخليج العربي على قاعدة ديمقراطية ، بما يمكنها من لعب دورها في إرساء التعاون العربي على أسس صحيحة .
  • تأكيد الانتماء العربي للكويت والتزامها بالقضايا العربية العادلة ، وبالأساس قضية تحرير الأراضي المحتلة في فلسطين والجولان وجنوب لبنان .

هذه هي رؤيتنا للطريق الذي نتطلع إلى أن تسير عليه بلادنا نحو إعادة بنائها الوطني على أسس جديدة وضمان تطورها الديمقراطي على قواعد وطيدة .